دام برس:
البيان المقدم من «المعارضة» لمؤتمر جنيف2 يصف بداية، ما ينبغي أن تكون عليه هيئة الحكم الانتقالي: من المفترض أن تكون حيادية، شاملة، مسالمة، وضامنة لوحدة أراضي البلاد. كما من شأنها أن تعمل على خلق بيئة مواتية للشعب السوري كي يضع، بنفسه، دستوره، ويعين مؤسساته.
بيد أن المشكلة الأولى في هذا «البيان» هو أنه يتعارض مع ممارسات الجماعات المسلحة. ففي حين يعبر الائتلاف الوطني عن نفسه بلغة ديمقراطية، نجد أن الجماعات التي تقاتل على الأرض لم تتوان عن ذبح الأقليات والسعي إلى فرض أسس نظام سلفي على المجتمع السوري.
لاشك أن أغلبية هذه المجموعات المسلحة لا تعترف بسلطة الائتلاف عليها، لكن الأخير لا يملك شرعية غير أفعال المسلحين على الأرض.
المشكلة الثانية في هذا «البيان» تكمن في الطريقة التي تم بموجبها تحديد هيئة الحكم. إذ إن واشنطن ترغب بفرضه، تماماً كما فعلت في عدة بلدان أخرى. في هذه الحال، فهي تتصور مؤتمر جنيف2، كحال مؤتمر بون حول أفغانستان: قد تتفاوض القوى العظمى فيما بينها إذاً، وتنتج كرزاي سورياً.
على النقيض من ذلك كله، لا تتوقف دمشق عن التذكير بالبيان الختامي لجنيف الذي ينص على «أحقية الشعب السوري بتقرير مستقبل بلده».
في المحصلة، لا ينبغي استفتاء الشعب على الدستور الجديد فحسب، بل من غير الممكن تطبيق نتائج جنيف2 من دون أن يصدّق عليها الرئيس الأسد، الذي تعهد بعرضها على الاستفتاء.
أما المشكلة الثالثة في هذا «البيان» فهو أنه يشرع «لثورة ملونة» في المستقبل.
جميعنا يعرف أن الحرب في كوسوفو انتهت بوقف لإطلاق النار، متبوعا بانتخابات في صربيا. ومن خلال حملة نفسية حاذقة، تمكنت «سي. آي. إيه» من إيصال مرشح موال للولايات المتحدة إلى سدة الرئاسة. ثم قامت باعتقال سلوبودان ميلوزوفيتش، وحكمت عليه في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ونظرا لأن المحكمة لم تتمكن طيلة عامين من البحث على أي دليل يثبت التهم الموجهة من قبل الادعاء، فقد تم اغتيال ميلوزوفيتش في زنزانته.
ينطوي «إعلان» المعارضة على تناقض مذهل: فهو يؤكد وجوب انتشار الأمم المتحدة، منذ بدء المرحلة الانتقالية، في عموم البلاد، وعلى بقائها خارج العملية الانتقالية في وقت واحد.
بدلاً من ذلك، فهو -أي البيان- يؤكد أن الإشراف على العملية الانتقالية يقع على عاتق «المنظمات المستقلة للمجتمع المدني الدولي».
يطلق على هذه المنظمات «المستقلة»، في وسط وشرق أوروبا، اسم فريدوم هاوس (بيت الحرية)، أو أوبن سوسيتي فاونديشن (مؤسسات المجتمع المفتوح)، أو نيد (الوقف الوطني للديمقراطية). ترتبط المنظمتان الأوليان بالولايات المتحدة وإسرائيل مباشرة. في حين أن الثالثة ليست قطعا جمعية مجتمع مدني، إنما هي هيئة تشترك فيها الحكومات الأميركية والبريطانية والأسترالية، تم انشاؤها بمبادرة من رونالد ريغان بهدف توسيع نشاط (سي. آي. ايه) إثر الفضائح التي اندلعت في سبعينيات القرن الماضي. ليس «لمنظمات المجتمع المدني» هذه من وظيفة سوى إنفاق مليارات الدولارات في أي مكان يسمح بشراء النخب الفاسدة، وكذلك الدول.
فضلا عن ذلك، نص «البيان» على أن هيئة الحكم الانتقالي ستضع آليات من شأنها تحميل المسؤولية «لكل شخص ارتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وللقوانين والعدالة الدوليتين». هذه الإجراءات تعود بالذاكرة إلى ما انتهى إليه الرئيس الصربي ميلوزوفيتش.
لا يزال هناك الكثير، الكثير ما ينبغي مناقشته في جنيف