2014-02-14






جنيف2: سورية أمام سيناريو مرعب ومخيف .. بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
دام برس:
كبرت سوريا من أزمة بشقيها السياسي والإنساني إلى حرب إقليمية كبرى، حتى أصبح من غير المعقول التخيّل والإعتقاد بأن الدول التي إجتمعت في جنيف بمقدورها إيجاد حل سياسي للحرب الدائرة في سوريا، فبالنظر إلى المصالح الإستراتيجيّة المتباينة في سوريا للدول داخل وخارج المنطقة، يتضح بأن التوصل لإجماع  في الرأي من أجل إنهاء الأزمة في هذه المرحلة الحاسمة هو أمر خارج عالم الإمكانيات، فالخلاف في وجهات النظر بين روسيا والقوى الغربية على الطرفين السوريين في محادثات السلام الجارية في جنيف، زاد من تعثر المفاوضات في الوقت الذي إستمر فيه القتال وظل عشرات الآلاف تحت الحصار على أمل وصول إمدادات إغاثة من الخارج.
فالمفاوضات لم تقلع عملياً بين الطرفين السوريين، إذ أن الخلاف الأساسي القائم منذ بداية الجولة الأولى في يناير هو على أولويات البحث، ففي حين تطالب المعارضة بالتركيز على مسألة هيئة الحكم الإنتقالي من دون الأسد، يتمسك النظام بأن المطلوب أولاً التوصل إلى توافق على ''مكافحة الإرهاب'' الذي يتهم به مجموعات المعارضة المسلحة، مؤكداً أن الحوار حول مستقبل سوريا يكون على الأرض السورية وأن مصير الرئيس يقرره الشعب السوري من خلال صناديق الإقتراع، وبموازاة ذلك أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في جنيف، إن موضوعي مكافحة الإرهاب وهيئة الحكم الإنتقالي مهمان، وسيتم التوصل من خلال مسار المحادثات إلى حل لهذين الموضوعين.
وفي الوقت نفسه، تزداد أهمية مسألة كيفية تأثير مؤتمر جنيف على الوضع في سوريا والدول المجاورة، علماً أن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية كان قد عبر عن رأيه في وقت سابق، مفاده أن نجاح "جنيف2 "سيعتمد على نتائج محاربة وإستئصال المتطرفين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وأضاف إنه يتعين على الأطراف السورية التعامل مع هذا الحدث الهام بكل موضوعية ووعي كامل بالمسؤولية تجاه مسألة إستقرار المنطقة.
وفي سياق متصل لا يقتصر الصراع الدائر في سوريا بين القوى الموالية للنظام والمعارضة، ولكنه إمتد إلى دول الجوار في وقت تُنذر فيه تطورات الأوضاع في سوريا بالتحول إلى حرب تهدد الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والإخلال بالتوازنات في المنطقة، وقلب معادلة التنافس بين القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى الهيمنة على المنطقة، لتصبح دمشق ساحة للصراعات السياسية والإيديولوجية والإستراتيجيات الجيوسياسية للقوى الإقليمية والدولية.
وبالتالي أنه في حال فشل "جنيف2"، فإن العواقب الوخيمة لن تحل على سوريا فقط بل وعلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها، هذا مما يشجع المجموعات المناهضة للحكومة إعادة تنظيم وإعادة تجميع قواتها، وخاصة فيما  يسمى بالجبهة الإسلامية، التي أعلن عنها في وقت سابق، وستواصل المجموعات المسلحة المختلفة الإنضمام إلى هذه الجبهة، أما بالنسبة للبلدان المحيطة بسورية، فمن المرجح أن  يشتعل لبنان، الذي يشهد إشتباكات دورية بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السوري بشار الاسد، هذا مما قد يؤدي إلى حرب أهلية جديدة، بالإضافة الى العراق الذي سيشهد توتراً متزايداً، و تركيا والأردن ليسا بمنأى عن ذلك، كما أنه لا يمكن أن نغفل عن المشكلة الكردية، والتي في حال إستمرار الصراع في سورية وعدم الوصول الى توافق بين السوريين يمكن أن تصبح أكثر تعقيداً، وهذا يعني أن المنطقة تواجه الآن مرحلة خطيرة، ومع ذلك، حتى لو تمكن الطرفان التوصل إلى إتفاق مقبول في "جنيف2" فإن ذلك لا يضمن وضع نهاية للصراع في الوقت الحالي.
وبالمقابل ثمة قوى دولية وإقليمية جادة في رغبتها في إنهاء النزاع، لأنّ تداعياته لا تقتصر على الجانب الإنساني داخلياً، بل أصبح نزاعاً إقليمياً تتصارع فيه قوى عدة لتعزيز نفوذها وحماية مصالحها في المنطقة، وهنا يمكن القول إن إستمرار الصراع قد يؤدي إلى إنفجار إقليمي يحمل في طياته إنعكاسات على النظام الدولي، وينتهي بتفتيت وتجزئة المنطقة، وإعادة رسم خارطتها الجغرافيّة حسب أهداف ومصالح الدول الغربية.
فإدارة الأزمة تعني إستمرارية الصراع، ولكن مع حصره في نطاقه الجغرافي، لتبقى المصالح الحيوية للقوى الكبرى أو حلفائها بمنأى عنه، كما يساعدها ذلك في عدم تحمل أعبائه متذرعة بوجود مسار سياسي تفاوضي يجمع أطراف الأزمة، ومن ثم يكون دور هذه القوى حثّ الأطراف على التفاوض، وتقديم المبادرات وعقد الاجتماعات الدورية من دون حسم، في مشهد يكرر سيناريو المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وصعوبة الوصول الى حل يرضي الطرفين.
وسط الغموض الشديد الذي يحيط بمصير جولات المحادثات الراهنة بين الوفدين السوريين، فإن عدة أسئلة تظل مطروحة، من بينها، متى ينتهي النزاع في سوريا؟
يمكنني القول هنا، إن النزاع في سوريا سينتهي عند وصول كلا الطرفين لنقطة الإعياء أو حدّ الإنهاك ولا يرون بعد ذلك مبرراً لمواصلة القتال لأن الطرفين على الأرجح قد فقدا الأمل بكسب مواقع جديدة أو حتى بتحصين مواقعهما الحالية، بالتالي فإن توافد الأعداد الكبيرة من الجهاديين لداخل سورية وتعهدهم بمحاربة أية اتفاقيّة وحتى بعضهم البعض للتقدم بأجنداتهم السياسية، فهذا يزيد من إطالة أمد الحرب لأن القتال لم يعد لغرض واحد، هذا ما يحدث غالبا ً في حرب أهلية عندما تكون الأطراف المتحاربة منشغلة في قتال طال أمده ولا يستطيع أي من الأطراف حسم المعركة لصالحه،  ويصبح هذا الوضع أكثر تعقيداً عندما تستمر قوى من الخارج في دعم جهات مختلفة ويكون دعمها غير كافيا ً لإزاحة ميزان القوى بشكل  قاطع بطريقة أو بأخرى، قد تستمر الحرب في سوريا تحت هذه الظروف مدة 10 إلى 15 عاما ً أو أكثر، فالحرب الأهليّة في لبنان استمرت من 1975 لغاية 1990 وهناك أمثلة أخرى لحروب أهلية طويلة الأمد منها أفغانستان والسودان وغيرها من البلدان الأخرى.
وبإعتقادي إذا تحقق هذا السيناريو ستتفكك سوريا حتما ً وسيسقط المزيد من القتلى والجرحى من السوريين وسيتفشى الجوع والمرض بشكل كبير وستصبح معظم المحافظات تحت الأنقاض، هذا ولا يستطيع أحد أن يتكهّن كيف ستؤثّر هذه الكارثة على دول أخرى في المنطقة، ولكن شيء واحد أكيد لن تكون دولة واحدة بمنأى عن هذه الكارثة وإحتمال حدوث حريق ضخم في المنطقة سيكون وشيكاً.
من الواضح أن الأمور التي تخص المفاوضات السورية-السورية كما يبدو ليست بهذه البساطة، فإستئناف المساعدات الأمريكية لصالح ما يحلو للإدارة الامريكية تسميتها بـ "المعارضة المسلحة المعتدلة" في سوريا، مع أن أمريكا كانت قد أعلنت قبل بدء "جنيف 2"، أنه في حال عدم مشاركة المعارضة السورية في المؤتمر فإنه سيتم عزلها، وهذا إن دل فإنه يدل على إهتمام الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص، في عقد المفاوضات من حيث المبدأ، ولكن هذا لا يعني أن الغرب مهتم في تحقيق نتائج ملموسة، لأنهم لم يصلوا إلى تحديد النتائج التي يمكن أن تحقق لهم الفائدة، كما يأتي التعقيد أيضاً من حقيقة أن المعارضة ليست موحدة، فهناك خلافات خطيرة في صفوف كل جماعة على حدة، كما أن الإعتماد على الرعاة الخارجيين المتنوعين يعمق الانشقاقات فيما بينها، ويمكن أيضاً إعتبار عدم وجود قوة إقليمية قوية مثل إيران الحليف الأول لسوريا في هذه المفاوضات واحدة من أحد سلبيات "جنيف2"، أما السعودية فهي كما هو معروف تقع تحت تأثير الولايات المتحدة والغرب عموماً، في حين أن تركيا تحاول التصرف بشكل مستقل، كل هذا يزيد من تعقيد المفاوضات الصعبة أصلاً.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ما يحدث في سوريا في الوقت الراهن هو إشارة عن ما سوف تتعرض له المنطقة من متغيرات، فالذي يجري مرده عاملان أساسيان، أحدهما خارجي يتمثل في تقاطع مصالح دول عدة، والآخر داخلي ناجم عن تراكمات وتصفية حسابات، وبالمقابل فإن الشعب هو الذي يدفع ثمن هذه الحرب التي تقودها أطراف عدة بمعادلات مختلفة.

Advertisement

0 comments:

Post a Comment

 
Top